Saturday, September 14, 2013

ندوب خفية

     العودة إلي الوراء هي أحدي الهوايات التي نمت عندي علي مر السنين، أرجع إلي ماضيّ لأعرف من أنا الآن.  تنحتنا سنواتنا الأولي بأحداثها و أشخاصها في أشكال يصعب علينا تغيرها، ننمو لنصير محض أطفال كبار الحجم في عالم مرعب الأبعاد.عند العودة يستوقفني دائماً واحد من شخصيات الطفولة أجده محورياً في تكويني و عندي من الأسباب ما يكفي ليجعلني اظن إني ما كنت سأصبح أنا لولا أن تقاطعت طرقنا في الحياة، هذا الشخص هو علي.
    الآن سأفسح المجال لصوت ذاكرتي ليروي هو حكايته.


     علي لا يمتلك وجهاً طبيعياً. هنالك ندوب حمراء منتشرة علي صفحة وجهه اليمني تتخذ أشكال عشوائية و تمتد حتي جبهته مغطية إياها كلها و تصل لأطراف ذقنه مارة بشفتيه عند الحواف. ليست هذه الندوب كتلك التي تلون الجلد بخط أحمر قاني عند الوقوع و تتقشر بعد فترة، ندوب علي مختلطة بوجهه او لنقل أن وجه علي هو ندوبه. هذه الندوب ليست ذات سطح مستوٍ فبعضها أعلي من الآخر كما أنها ليست علي درجة واحدة من اللون الأحمر و دائماً ما تعطي إيحاء الأرض الخشنة. عيناه زرقاواتان بهما بريق لا يغادرهما و شعره أسود كأشد ما يكون السواد ناعم ينساب علي جبهته و يغطي جزء منها. كان متوسط الطول نحيف بعض الشيء.
     طالما حيرتني ندوبه هذه فأنا لم يكن عندي مثلها لأعرف سبب تكونها و لم يسبق لي أيضاً معرفة شخص آخر يمتلكها. أمي كانت تزيد من حيرتي بإطلاقها اسم غريب عليها هو حروق. جعلني هذا الاسم اتسائل: يمكن لورقة أن تحترق أو لطعام أن يحترق لكن كيف يمكن لإنسان أن يحترق؟ّ سرعان ما تسرب هذا الاسم الغريب من ذاكرتي لأني لم أستوعبه فيثبت فيها.
     مع هذا، فلم يكن السبب وراء هذه الندوب أكثر ما شغلني، بل كان سؤال: هل لعلي ندوب؟
     لعلي صوت عميق يشبه أصوات الكبار به شيء غامض. كل نغمة من صوته تحمل في طياتها صيغة الأمر و إن لم تكن كلماته نفسها مرفقة به. لهذا، فعندما يدق جرس الفسحة و ننزل جميعاً لفناء المدرسة ثم يتجمع حوله أصدقائه الذين يشكلون كل صبيان الفصل  يتشاورون فيم سيلعبون و يخرج صوته هو قائلاً "لنلعب الكرة" أو "لنلعب الغميضة" أو "لنتسابق" تجد باقي الأصوات قد صمتت و معها إقتراحاتها و يتجمع أصحابها حوله لينظم كيف ستسير اللعبة. في حالة اللعب التي تتطلب الإنقسام لفيريقين، يرغب الكل في أن يكون في الفريق الذي يقوده علي-فعلي دائماً القائد-و تفادياً لحدوث المشاجرات يبدل علي الفريق الذي سيلعب فيه يومياً فإن لعب في يوم في الفريق الأحمر يذهب الذي يليه للفريف الأزرق و هكذا. في غير هذا النوع من الألعاب يكن دائماً هو الحكم الذي يحدد كل شيء و الذي لا يعترض أحد علي قراراته.أما  في غير اوقات الفسحة عندما نكون في الفصل فمقعد علي هو مركز للتحركات الخفية و المقالب التي يدبرها الصبية للمدرسين. تستطيع دائماً أن تسمع صوت الهمهمات الخافتة تنطلق قوية من مقعدة و تنتقل من فتي لآخر حاملة الخطة التي سيدبرونها لإزعاج هذا المدرس أو ذاك. يحدث هذا في الفترة التي يدير فيعا المدرس ظهره لهم ليكتب علي السبورة درس اليوم فإن حدث و اشتبه بوجود شيء ما يجري خلفه يلتفت سريعاً لكن ليس أسرع من قوة ملاحظة علي الذي يغير هيئته في ثانية و ترتسم علي وجههه علامات الإجتهاد و يسرع بقية أصدقائه في تقليده ليجد المدرس في النهاية مجموعة من الطلاب المجدين ينقلون ما يكتب. يلتفت مرة أخري و قد انتقل الشك من الطلاب إلي أذنيه و هم في ذلك يجتهدون لكتم ضحكاتهم. بعد أن يحدث المقلب و لجهل المدرس بمدبره و معرفته أن معظم الطلاب متورطين فإنه يلقي بعقوبات عشوائية علي طلاب عشوائيين لم يكن منهم يوماً علي، فالمدرسين، كالتلاميذ، يعشقونه.
      يهيء لي في بعض الأحيان أن في علي شيء كالمغناطيس يجذب كل من يراه و يلصقه به، و لذا فأنت لاتراه أبداً وحيداً، بل لايمكنك أن تتخيله وحيداً. يقبع دائماً في مركز أي مجموعة يقف فيها، تراه مستقيماً موجهاً جسده ووجهه للأمام بينما الآخرون يلتفون حوله بوجوههم و أجسادهم. هو أيضاً مركز لعواطف المجموعة فأي شيء يشعر به ينتقل منه إليهم، ضحكته تضحكهم و غضبه يغضبهم و اشتداد بريق عيناه عندما تخطر له فكرة لمقلب ينعكس في عيونهم جميعاً و صمته عندما يفكر ينقلب لهدوء الجماعة كلها.        إن كان لعلي ندوب لكانت ندوبه تلك ستجعله مختلفاً و أنت إن كنت مختلفاً يستبعدك الجميع. أعرف هذا لأنني مختلف.
      أتذكر بشكل ضبابي أشياء بعيدة عن نفسي و أنا في الرابعة من عمري أو نحو هذا. بدأت حينها أمي في شراء اللعب لي. أتذكر السيارات الكبيرة منها و الصغيرة التي كانت تحضرها، تلك التي كانت تتحرك بالدفع و التي كانت تدار عن طريق جهاز التحكم عن بعد. اتذكر أيضاً الألعاب التي كانت تأخذ شكل بشر تضغط علي  زر في ظهرها لتنطلق بكلمات محفوظة داخلها لا تتغير، و هنالك أخري شبيهة بها بدلاً من النطق بكلمات كانت تغني. اتذكر بجانب هذا تلك الألعاب التي تأخذ شكل حيوانات لها ملمس ناعم و هذه لم أكن أعرف ماذا أصنع بها. أتذكر عن هذا كله مشاهد صغيرة. مشهد لنفسي أركض مسرعاً علي أمي عندما أعرف أن معها لعبة جديدة، مشهد آخر و أنا أتأمل اللعبة بعد أن فُتحت مذهولاً بألوانها البراقة مشهد ثالث و أنا ألعب بها لساعات طويلة و مشهد أخيرآخر اليوم لنفسي و أنا ألقيها بعيداً بعد أن مللتها و راحت ألوانها في البهتان. أخذت هذه المشاهد الأربعة تتكرر مع كل لعبة تشتريها أمي حتي تكونت لدي كومة منها في جانب من جوانب غرفتي. توقفت أمي تماماً عن شرائها. لم أفتقدها.
     بعد هذا بفترة ليست طويلة، تعلمت القراءة. أستبدلت أمي شراء اللعب بشراء القصص و هذه أيضاً أتذكر عنها بضعة مشاهد. مشهد لنفسي أركض مسرعاً علي أمي  عندما أعرف أن معها قصة جديدة، مشهد آخر و أنا أفتح القصة متلهفاً لأعرف علام تحتوي مشهد ثالث و أنا اقرأها لا أبرحها و لا حتي لآكل حتي أنتهي منها مشهد رابع و أنا أقف علي سريري و أضعها علي رف عال بإحترام بعد أن أنتهيت منها ثم أجلس بعدها علي كرسيّ أعيدها مرة تلو الأخري في رأسي. تكررت هذه المشاهد الأربعة مع كل قصة كانت تحضرها أمي لي حتي صارت تشتري لي قصة أو أكثر كل يوم.
      استحوذت هذه القصص علي وقتي و عقلي إستحواذاً تاماً. كانت تدخلني معها لعوالمها النائية و تأخذني بعيداً عن سريري و دولابي و أرففي و غرفتي و بيتي و أبي و أمي و الأشياء كلها و الناس كلهم و تبقيني محتجزاً هنالك دون رغبة مني في الهرب. مع الوقت صار هذا العالم النائي مستقل حتي عن القصص نفسها التي أصبحت بعدها مجرد تذكرة الدخول، ثم، عند مرحلة ما، وجدت نفسي أستطيع الدخول لعالمي هذا  وقتما شئت حتي دون هذه التذكرة التي تحولت مهمتها لتصبح هي التفاصيل التي أزود بها حياتي الأخري. أقول حياتي الأخري لأنها فعلاً صارت كذلك، حياة يعيش فيها جزء مني جزء من الوقت أكبر من الجزء الذي يعيش في عالم سريري و دولابي و غرفتي وبيتي و أبي و أمي جزء آخر من الوقت.
    في إحدي حصص  الرياضيات عرفت اسم ما كنت فيه. كتبت المدرسة أعلي السبورة كلمة "القسمة" ثم رسمت رغيف خبز قسمته لأقسام أربعة و قالت أن كل قسم يمثل ربع الرغيف و أن أربعتها مجتمعة تكون الرغيف بأكمله. عرفت حينها أني كرغيف الخبز الذي رسمته المدرسة، منقسم، و أن ثلاثة أرباعي تعيش في حياتي الأخري وحيدة و الربع المتبقي وحده هو الذي يعيش هنا.
     جعلني عالمي الآخر مختلفاً عن الجميع. كنت كالفتيان الذين جاءوا من بلد غريب للمدرسة  في أول يوم، يتكلمون بلكنة أخري و يتصرفون بطريقة مختلفة و بعد فترة من الوقت قد تطول أو تقصر، يتقنون اللكنة الشائعة و التصرفات المعتادة حتي يصبحوا كالجميع. كنت أنا فتي غريب أتي من حياة مختلفة أتكلم كالكل و لا أستطيع التواصل مع أحد.
   كانت حياتي الأخري هي السبب الذي منعني من التواصل مع الجميع فأنا لم أكن أجيد بناء جدران حولها تفصلها عن عالمي الحقيقي. كنت أقضي بها أغلب و قتي و لهذا فتأثيرها علي كان يغمرني كلي. كننت أعيش هناك تجارب محال أن أعيشها في الحقيقة و أكون أشخاص لا يمكنني أبداً أن أكونهم في الواقع. فتح هذا كله الباب علي مصراعيه أمام أفكار غريبة ما كانت لتنتابني لو أني لزمت الحياة التي أتشارك فيها مع الجميع. شغلتني هذة الأفكار كثيراً بها و كانت غالباً ما تأخذ شكل تساؤلات تُطرح في رأسي دون أن يرافقها جواب. مثلاً، في قصص كثيرة قرأتها كان البطل يكتشف في النهاية أن كل ما مر به هو حلم و قد استهوتني هذه القصص حتي اختلقت مثلها في عالمي الآخر جاعلاً من نفسي هذا البطل المذهول الذي يستيقظ و هو في حاجة لكثير من الوقت ليستوعب أن كل ما قد كان لم يحدث أبداً. ظللت أتخيل هذا كثيراً حتي تسائلت في يوم من الأيام: ماذا لو لم يكن أيٍ من هذا الذي أنا فيه يحدث؟ ماذا لو كنت نائماً الآن و حياتي كلها لا تعدو كونها الحلم الذي أراه؟
    لم أحّدث أحداً يوماً عن عالمي الآخر أو عن افكاري الغريبة و ما كانت تحمله من تساؤلات. كنت دائماَ أتخيل أني تحرٍ خاص ذو شخصيتين، واحدة يعيش بها أمام الجميع ليست هو و أخري لا يراها أحداً سواه و تلك هي ذاته الحقيقية و لا يمكن لهذا التحري أبداً أن يفصح عن هويته السرية. بيد أني لم أكن بالتحري الجيد، شخصيتي السرية كانت تأثر بشكل كبير علي تلك المعلنة. أنا لم أكن أفصح يوماً عن تلك الأشياء التي أعلم أنها تجعلني غريباً لكنها كانت تتسرب من تلقاء نفسها لهذه الأشياء البسيطة التي ينطق بها الجميع مبددة بساطتها تلك.
    عندما كنت أتكلم أو أبدي رأيي في شيء ما، أي شيء، كنت أري نظرات إستغراب في عيون زملائي لا تلبث أن تتحول إلي إستهزاء يترجم نفسه في سخرية منطوقة. تكرر هذا في بضعة مواقف مما جعلهم يستهزءون دون حتي أن أتكلم و يجعلون كل ما أنطق به مثار للسخرية. آذاني هذا كثيراً لدرجة ما كنت أستطيع معها أن ألنزم الصمت وهم يجعلون ضحكاتهم الهازئة كالظل لي. و هذا ما حدث توقفت عن إلتزام الصمت. عندما كان أحدهم يسخر مني كنت أرد عليه بسخرية أسوأ تجعل منه الأضحوكة بدلاً مني. عندما كان يغضب هذا الذي سخر مني و يحاول ضربي كنت أرد لكماته بأقصي منها، الأمر الذي جعلني لحد ما مرهوب الجانب لكنه لم يكن يجعلهم يتوقفون عن إستبعادي. لا يهم، كنت أقول لنفسي، علي الأقل ما عاد أحدهم يجرؤ علي الإستهزاء بي. لكن هذه العبارة ما إن تمر في رأسي حتي يتردد اسم واحد لم أكن أنا أجرؤ علي ردعه مهما فعل بي هذا الأسم هو: علي.
      علي قدر ما أستطيع كنت أتفادي علي. إن رأيته يمر في طريق اتخذت غيره و إن سمعت صوته يقترب ابتعدت لكن هذا كله لم يكن ليجعله يكف عني. ببساطة أجده يدنو مني و دون أن أكون قد فعلت له شيئاً تنهال علي سخرياته لاذعة و تتعالي ضحكات أصدقائه من حولي و في عيونهم شماتة غير خافية لأن صديقهم-أو قل قائدهم- يفعل ما جعلتهم أنا عاجزين عن فعله. أنظر أمامي لأجد ما لا يقل بأي حال من الأحوال عن عشرة صبية لو حتي حاولت أن أسخر من علي الذي يقدسونه أعرف أني سأجد ضرباتهم تحيطني من كل جانب و أنا مهما كان بي من قوة لا أستطيع أبداً صد عشرة في آن واحد. لا يترك هذا لي من خيار سوي إلتزام الصمت التام ريثما ينتهي و التظاهر بأني لا أسمع لا سخرياته و لا ضحكاتهم حتي إذا ما رحلوا ألملم أشلاء كرامتي و أبتعد.
  في كل مرة يحدث فيها هذا المشهد كان سؤال هل لعلي ندوب يبرز في رأسي. أنظر إليه و إلي نفسي، لو كلانا مختلفان هو بسبب ندوبه و أنا بسبب خيالاتي فكيف يصح أن أقف أنا و هو هذا الموقف الذي يكون هو فيه محاطاً  بالعشرات بينما أكون أنا أعزل؟ هو محبوب و أنا مستبعد؟ هل ندوب علي خفية لا يراها إلا أنا أم ماذا؟
     ظل الأمر هكذا فترة طويلة لم يطرأ عليه تغيير، علي يسخر مني و يلزمني عجزي الصمت حتي يقرر هو أنه قد نال كفايته من الإستهزاء مني ثم يرحل تاركاً إياي و شعوري بالذل و الضعف يغمرني، إلي أن أتي يوم تغير فيه كل شيء.
    دق جرس الحصة الأخيرة. نزل الجميع إلي الأسفل ليرجعوا لبيوتهم بينما توجهت أنا لمدرسة اللغة العربية لتدريبي علي القصيدة التي كنت سألقيها في حفلة آخر العام. لا أعرف كم كانت الساعة عندما انتهينا لكن الوقت و لابد كان قد تأخر فعندما نزلت للفناء كان خالياً تماماً. مشيت للباب لكن أثناء هذا تعثرت بحجر ووقعت. غطي التراب يدي فذهبت لدورة المياه لأغسلها. عندما خرجت رأيت علي واقفاً بعيد. أشحت ببصري للناحية الأخري سريعاً لكن بعد فوات الأوان فكان هو قد رآني. توجه إلي، كانت علي وجهه علامات الضجر و عرفت أني سأكون تسليته.
    قابلني بإبتسامته الساخرة و هو يقول: "لم تأخرت هكذا؟ ألم تأت ماما لتأخذك بعد؟"
    كنت سأفعل ما أنا معتاد علي فعله من إلتزام الصمت عندما فاجأني عدم سماعي لقهقهات تتبع سخريته. عندها، نظرت حولي لأجده وحيداً، أعزل، مثلي تماماً.
    و حينها أدركت أن اللحظة قد حانت لأنتقم لنفسي من كل إهانات الماضي. كنت أحس بنشوة الفوز و السيطرة تسري في عروقي و تطرد ما عداها. أردت أن أخبره أشياء كثيرة. أردت أن أقول له أن ندوبه و إن خفيت علي الجميع فإني أراها و أعلم أنها لا تجعله يستحق أكثر مما أستحقه أنا من إستبعاد، أردت أن أخبره أن هذا الإستبعاد يتبعه كالصدي شعور دائم بالضعف لا يستتر سوي بدفع سخرية أحدهم أو لكمه إن استدعي الأمر لكن ستري هذا دائماً من النحول بحيث يخرقه هو و يخرق معه كرامتي وقتما شاء. أردت أن أقول له أن محض وجوده يخنقني لأني أراه محاطاً بالجميع و أراني محاطاً بعزلتي. هل قلت كل هذا؟ بالطبع لا، اختزلت غضبي كله في كلمة واحدة كنت قد نسيتها لما رأيت فيها من عدم منطقية لكنها و لسبب ما عاودت ذهني الآن و انطلقت علي لساني.
   صحت به:
-اخرس يا محروق.



   و أنت طفل تمتلك منطقاُ يختلف عن منطق الكبار قد تقبل بسببه أشياء خرافية لا يقبلها عقلاً ناضجاً و تستبعد أشياء أخري بمثابة المسلملت. لا شيء غريب في هذا، لأنك في هذا الزمن الرقيق من عمرك تصوغ منطقك تبعاً لمعطياتك البسيطة لحد ما و طبقاُ لهواك غالباً و هكذا يصير كل ما تحب حقيقة و كل ما تكره إدعاء.
   أتذكر أني عندما كنت طفلاُ و اسمت أمي ندوب علي باسم حروق أني نظرت إليها كما لو كانت لا تفهم ما تقول، أتذكر أيضاً أن هذا كان منطقي: يمكن لورقة أن تحترق أو لطعام أن يحترق لكن كيف يمكن لإنسان أن يحترق؟
   بعدها تأتي فترة ما بين طفولتك و نضجك تبدأ فيها الحقئق الواقعية في التكشف الواحدة تلو الأخري داحضة معها الكثير من معتقدات الطفولة. لا يمكنك بعدها أن تحدد أي حقيقة دحضت أي معتقد و لا تترك هذه الفترة الإنتقالية معها من ذكريات سوي إيحاءات مبهمة بالخروج من عالم ملون للولوج في آخر أسود قاتم.
    لا أتذكر بالضبط أي أشيء جعلني أتخلي عن معتقدي بأن البشر لا يمكن لهم الإحتراق. أكان هذا عندما كنت بعد صغيراً و قرأت في مجلة عن عادات الشعوب  الغريبة لأكتشف أن الهنود تطبيقاً لتقليد "الساتي" كانوا يحرقون الأرملة حال توفي زوجها؟ أم كان عندما تقدمت في السن قليلاً و بدأت أسمع من الكبار عن قطار الصعيد الذي احترق فيه ما يزيد عن أربعمائة شخص؟ أو يا تري عندما كبرت أكثر و أكثر و رأيت بعيني صوراً لآثار القنبلة النووية في هيروشيما و نجازاكي؟ كل ما أعرفه أني كنت طفلاً لا أصدق سوي أن النار تأثيرها يقف عند الأوراق و الطعام ثم صرت ناضجاً أعرف أن النار لا تحمل قديسة لأي شيء طعام ورقة إنسان مدينة أو بشرية.
    حينها تساعد هذه الحقائق المرء علي فهم كثيراً من الأشياء غير المنطقية بالنسبة له عندما كان طفلاً. عرفت بسببها أن أمي لم يجانبها الصواب عندما وصفت علي بالمحروق و شرحت لي أيضاً تصرفه عندما وصفته أنا بهذا.
    منذ سنوات طوال عندما قلت لعلي "اخرس يا محروق" شعرت للوهلة الأولي بالسخط علي نفسي لأني في اللحظة التي كنت فيها أريد حقاً أن أنتقم لم يخرج من فيهي سوي كلمة غيرمنطقية. تبع هذا أشياء لم أفهمها حينها. رأيت وجه علي و قد ذابت ابتسامة الإستهزاء فيه و تبدلت بنظرة حزن لم أر مثيلتها يوماً في عينيه جعلته تبدو كشخص مختلف. رأيته يقف مكانه ثابتاُ لا يتحرك خطوة واحدة في أي إتجاه و عيناه الجريحتان مثبتتان علي و رأيت دموعاً صامتة تنهمر منهما. شعرت حينها أن لو أصدقاء علي جميعاً تكالبوا علي و أوسعوني ضرباً لما أحسست بشيء من هذا الألم الذي أحس به الآن. شلني الإرتباك عن الحركة و بقيت مثله ثابتاً مكاني لم أتحرك عندما اشتد بكاؤه و لا عندما أمسك ندوبه المنتشرة علي وجهه بيديه كأنما يريد أن يمزقها لم أتحرك خلال كل هذا و بقيت كالتمثال الإسمنتي لولا أن من عينيّ كانت تنهمر كدموعه.
    بهذا المشهد الحزين انتهت قصتي مع عليّ علي المستوي الفعلي. كنت أتوقع في اليوم التالي لهذا أشد أنواع العقاب و أقساها، كنت أتخيل كيف سأذهب للمدرسة و أجد أصدقائه الكثر ينتظروني عند الباب و يوسعوني ضرباً. كنت أتخيل أن أصدقائه هؤلاء ربما استعانوا بأصدقائهم الآخرين ليزدادوا عدداً و غلظة. كنت أتخيل أن بعد هذا سيأتي المدير ليفصلني من المرسة و يطلب من المدرسين رؤيتي لا لشيء سوي لتوبيخي علي ما فعلت.لم أكن أفهم بعد ما فعلت و لم استوعب لم آلمت علي هذه "المحروق" هكذا لكن مجرد حقيقة أنه تألم و أني كنت السبب في هذا الألم  جعلني أحس أني أستحق كل هذه العقوبات. عاقبني علي فعلاً بأشد أنواع العقاب لكن بطريقة غير تلك التي تخيلتها. ما كان منه عندما رآني سوي أن أشاح بنظره بعيداً و في عينيه اللتين لم يكن يفارقهما البريق يوماً خوف و إنطفاء. ظلت هذه النظرة التي لم صار لا يلقاني إلا بها تطاردني حتي الآن كنبع ذنب عظيم لم يجف أو يفارقني حتي الآن. ظلت معاملته لي هكذا حتي نهاية العام و في العام التالي لم أجده. سمعت أنه سافر لباريس مع أبويه أو شيء من هذا القبيل و إلي الآن لم أقابله مجدداً.
      علي المستوي النفسي, لا أستطيع أن أجزم متي لهذه القصة أن تنتهي و قد رافقني ما أكتشفت من ورائها إلي الآن.
    لفترة ليست بالقصيرة ظل سؤال هل لعلي ندوب يطاردني كطفل و كان هذا المشهد الذي وصفت لتوي خير شاهد أنها موجودة، موجودة بصورة تألمه. ما كان سؤالي هذا سوي تهرب من سؤالي الآخر الذي لم أجد له جواب: إذا كان علي يمتلك ندوب هو مختلف بسببها و أنا عندي خيالاتي التي أنا أيضاً مختلف بسببها فكيف يحبونه و يستبعدوني؟ يحيطونبه و يتركوني وحيداً؟ أحتاجت مني الإجابة علي هذا السؤال لسنين كثيرة أنضج فيها و أري ما كان مستحيل لعينيّ طفل أن تبصرانه.
    و أنا صغير كان عندي من الوعي ما يكفي لأن أفهم أن كلينا-أنا و علي-مختلفان. كنت أظن أنه هكذا نحن متساويان مما يحتم كنتيجة منطقية أن تتم معاملتنا بنفس الطريقة لكنني لم أقف قط عند إختلافتنا تلك لأفهم ماهيتها.
     كان علي مختلفاً بسبب مجموعة من البقع ذات لون يميل إلي الأحمر و ملمس خشن تعلو صفحة وجهه و تغطيها. كنت أنا مختلفاً بسبب مجموعة من الرؤي و الأحلام و الأفكار تستقر في ذاتي و تشكلها. عرفت علي مر أيامي أن الوجه مهما يميل الناس لإضفاء أهمية كبيرة عليه و حتي لأكثر الناس سطحية غير مهم. عندما نسير في الشارع نكن محض وجوه تقابل وجوه لا يهم ما تخفي ورائها، لا يهم إن كان هذا قبيح أم جميل، فاسد أم نقي، طيب أم شرير، بإختصار يتلخص الإنسان كله في وجهه الذي يصبح المعيار الوحيد للحكم عليه. عندما نتواصل مع شخص آخر بالكلام و يزيد هذا التواصل عمقاً يبدأ الكلام و ما يمثله فعلاً من شخصية صاحبه بالتشويش علي الوجه. حينها يكون الوجه كالغلاف الذي يغطي الهدية، قد يكون جميلاُ و قد يكون قبيحاً لكن صاحب الهدية لا يلبث أن يلقيه بعيداَ. علي، لأنه يعلم بإمتلاكه وجه مشوه، كان يعوض هذا النقص في ذاته بجعلها أشد الذوات جاذبية بدرجة طغت معها علي الإيحاء أو الإنطباع الذي قد يخلفه وجهه. جعل هذا شيئاً سهلاً علي جميع من يعرفونه أن يلقوا بوجهه بعيداً و ينظروا إليه هو. أصبحت حروقه من قلة الأهمية للحد الذي جعلني أشكك في وجودها. علي لم يكن مختلفاً علي الإطلاق، لم تزده هذه الحروق في وجهه سوي رغبة في أن يكون أفضل من الجميع الذين لا يملكون مثلها. في حالتي، الغلاف لا بأس به، لكن عند فضه للنظر فيما كان يخفي يجد الناس شيئاً لا يفهموه، لا يعرفوا إذا كان جيداً ليحبوه أو سيء ليكرهوه فاكتفوا بإستبعاده و إلقاء الهدية نفسها بعيداً. عندما كبرت، اكتشفت أني أنا كنت المشوه الحقيقي، أنا هو صاحب الندوب الخفية التي لم تفارقني حتي الآن.
  

Thursday, August 16, 2012

طفلة السماء


يا بنيتي
أوتسمعين هذا الغناء
إنه لطفلة في السماء
قد تاهت في الغابات
من مائة ألف عام
أبداً عمرها
ست سنوات
كاليوم الذي فيه راحت

الآهات رجع صوتها
ففي صدرها الصغير
اندثر ضياع 
كل من لا يعرفون
 للبيت طريق

وحدها في المساء
تقضي الساعات
في البكاء
تتساقط دموعها
تحال إلي أمطار
تنبت الغابات
فيها يتوه
مزيد من الأطفال
ممن ظنوا مثلها
أن الحياة مغامرة

علي الجانب الآخر
اطفال آخرون
يقبعون في البيت
حتي يصبح
عمرهم ستون عاماً
علي السرير قبل الموت
يتأملون الحياة
فإذا بهم يرونها
فراغاً
يبكون فهم يوماً
لم يذهبوا إلي الغابات

من فيهم يا بنيتي
ستختارين؟




Tuesday, July 17, 2012

The Dream


“Who are you?”
 “What do you want to know?”
  “Everything.”                          
   And I find myself, lost in a dream, not knowing whence it originated, reveling in my ignorance, with her whom I know still less, reining it.
 She lowers her eyes at first, implying a feeling of indecision, then raises them again, an affable smile, restrained from showing on her lips, glimmering in them. “But it is impossible,” she says at last.
   “Why?” I inquire, letting my own smile appear.
    “Because I know of no mystery ever being interesting after you have known the solution to it.” Her gaze is fixed at me, expectation of what I shall say suffusing it.
     “You insist on making yourself a mystery to me? But no, I shall not have this as a definite answer. What I want is not at all a solution; you have no distinct shape in my head, and I’d like to clearly see you.” I pause, thoughts apparent in the creases of my forehead as I consider what exactly I shall ask her. “Your family, your house, and all those other matters may not show you to me. I want something that expresses you,” I again keep on trying to find a name to such a thing, but encounter only failure. “ Tell me about your friends,” I say at last, after realizing that I have spent too much time thinking, with a somewhat low voice, meant to hide my embarrassment of the silliness of the question that I asked only after I have found that I couldn’t find anything to say.
      “I cannot tell you about them because I have none,” she answers, not having recognized the abashment in my voice.
        She has unconsciously laid me a first thread for real conversation, and I unhesitatingly catch it. “You can consider me your friend then,” I say, feigning empathy that my former experiences with women affirm that they love so.
       “Well thank you.” The quizzical look in her eyes tells me that she has given me away. I lie in bafflement, not knowing what to say. She saves me and continues after looking away smiling delightfully to entail that I have been forgiven, “ After all,  how am I to have friends when nobody ever interests me? “
      “Why is that?” This time, I am genuinely curios.                                                                    
       “ Nobody ever interests me enough; nobody ever has anything new about him. Two minutes are enough for me to see that if I shall go on talking with this person or that, I’d be risking my life , dying out of boredom. Besides, I believe that the disliking I have towards people is mutual; I believe all people just find me strange.”
       “Strange?”
      “If you are about to deny it, then let me save your effort; I am strange.”
        My face, I am aware, falls into an expression of bewilderment, like my thoughts. It is true, she is unlike all others I have met; but to call her “strange” is nothing short of an offense. In her uncommonness, lies a magic, radiant, now in her eyes, now in her smile, that no one can ever call but enchanting, and it irks me still more that she believes herself to be so.
       “You don’t seem to be convinced? But I tell you, it’s true. In my head, run there strangest of all thoughts, and questions that drive me to the edges of insanity. I question everything, everything. I  keep on wondering, what for instance would happen if I were another; then, I ask myself, ‘would my view of the world change?’ for you know, some part of me likes to believe that reality does not exist but in our heads . It also likes to believe that when we are dreaming, we are conscious and alive in another world, and when we are awake, we are dreaming in there.”
  Her words are uttered, not with vehemence, but with a deep quiet serenity that adds to their exoticness that I heavily fall into.
    “So I now might be dreaming you?”
    “Perhaps.”
    “And how am I to restrain that dream?”
    “You don’t.”
      She lowers my face to hers, and delicately kisses me to prove herself real. At such proximity, I let my eyes discern hers and drown in their depths.
     “You are beautiful,” I say.
       But like in a dream, she has already flown away.
       
    

Thursday, April 19, 2012

Yearning

Certitude
Light years away
Doubts
Uproot
Faith

Eyes
Discern the invisible
Melt
In tears

Love
Serenades in the distance
Hands
Ache
To reach

Guillotine
In hues of yearning
Decapitates
Dreams


Sunday, March 18, 2012

Happiness


“Happiness is the consequence of personal effort. You fight for it, strive for it, insist upon it, and sometimes even travel around the world looking for it. You have to participate relentlessly in the manifestations of your own blessings. And once you have achieved a state of happiness, you must never become lax about maintaining it. You must make a mighty effort to keep swimming upward into that happiness forever, to stay afloat on top of it.”
From "Eat, Pray, Love" by Elizabeth Gilbert 

This quotation above is not here for me to hail it, say how it has changed my life, and recommend everyone to adapt it as a concept for happiness; quite the contrary, it is in here for no other reason but  to be ridiculed. For here's a small fact, I'd never quote such a book as "Eat, Pray, Love" for any other reason but that. You might ask why I am that prejudiced, knowing that I never read the book, and I'll tell you that even if you can't quite judge a book by its cover, you can always get some sort of a bad notion about it acquired from many things: the name; the audience who favor that book; reading some excerpts from it; and at times- ironically- from how it has topped the "bestsellers"-Twilight for instance.
My belief in the fallacy of such a thing stems from my other personal beliefs, and my personal beliefs have always agreed with Charlotte Bronte's "Passion:

"Some have won a wild delight 
By daring wilder sorrow
Could  gain thy love tonight
I'd hazard death tomorrow
"

  Happiness should not be but an offspring of coincidence, it should be effortless, it should have a flow to it and intoxication. If happiness was a result of hard work, search and seeking, it would regress from "magical" to "normal"; because then, happiness would be a most natural result to a group of factors summed up together. Happiness is happiness for no other reason but the element of surprise, take that away, and it would become banal.
  Of course happiness has degrees, the one I've just described is the last degree, the "absolute" one. Today, I am happy. My happiness comes somewhere in the first degrees. But it scares me all the same; and that is the part where my beliefs coincide with Bronte's.
   Happiness no matter how slight, has always been a bad omen for me; I always fear it. Life doesn't give something without taking another away, and I'd keep on wondering, what is in store for me. I am always cautious with happiness, and I always build boundaries around it, so that it would never be "absolute"; for what then would be imminent but strangling pain?   For here's another thing I believe in, feelings are like pendulums, if you hold a stable one, fling it to the right, leave it, it would never go back to its rest position, it would be flung back to the left.
   At times, like today, I try to shake all that off, and keep on telling myself that I have already had my share of "strangling pain" getting nothing in return, so who knows, perhaps it might last a bit this time, and perhaps it won't end in disaster.But  I know no fates to tell, and leave that for the days.
 I only would like to say, that even if it was only today, I am thankful for it. 


Saturday, March 17, 2012

Few Things...

I've had this blog since I was 14 and I turn 17 in three months.
It means it's been 3 years since I started taking writing seriously.
I wrote my first short story when I was seven.
And that means ten years separate me from the beginning.
I've written about 150 stuff ranging from prose to poetry to short stories
Except for very few things, I hate all of them.
"Why"' might cross your mind.
It's simply because they've been written with a person I've always hated.
That is me.
I actually have an image of what I want to be.
I  wanna start transforming to her
I have always wanted it.
But beloved inertia always pulls me to the self I hate
That is myself.
How can you break the bonds ?
How can I uproot me from me?
But then, Enough questions...
Let me start acting.


A Few Resolutions:
I'll never share myself with another
I'll never forget that closeness has its limits
I'll never forget that bonds can be too dangerous.
I'll never quit reading again for long periods of times.
I've always known how tricky minutes can be
Now, I'll start treating them for what they are
I'll find an hour for writing everyday.



A Restart

Tuck me into the unknown and let go
I will be reborn into the innocence of the ignorant
Or obliterate the three thousand yesterdays
Weighing me down with crudeness
And then
With the blankness of those who never were
I shall sing.